الفصل الثاني
المفاعل جهنم
"لقد نجحنا في اكتشاف وقود لا مثيل
له"
"من
أنهك تفكيره في حيَّات النار وعقاربها وكلابها وسلاسلها، لن تمثل له الحجارة سوى
أداة إضافية من أدوات التعذيب التي تشتمل عليها النار، وهو نتيجة طبيعية لخلط
الوصف الإلاهى بالوصف البشري، ولن يجني أصحابه إلا التشويش والارتباك. تخليص اللفظ
القرآني والوقوف عليه، هو كمن وقف على باب كنز ثمين، يجب ألا يغادر حتى يفتح الله
على يديه، أو يقضى الله أمرًا كان مفعولًا".
على
بُعد 250 كيلومترٍ من العاصمة عشق آباد بدولة تركمانستان، وفي قلب صحراء كاراكوم
القاحلة عام 1971م، كانت عمليات التنقيب عن الغاز تجري على قدم وساق؛ وبسبب خطأ في
الحسابات من الجيولوجيين العاملين في الحقل آنذاك، سقطت إحدى معدات الحفر في حفرة
من حفر التنقيب، مما تسبب في تسريب كميةٍ هائلةٍ من الغاز.
خوفاً من
انتشار الغاز السام، أمر المسئول عن المشروع بإشعال النار في الحقل، حتى يمنع
انتشار الغاز السام للمناطق المجاورة، ظنًّا منه أن اشتعال الغاز لن يستغرق أياماً
أو حتى أسابيع، وكانت المفاجأة؛ إذ استمرت الحفرة في الاشتعال كل هذا الوقت
الطويل.
يأتي
الزائرون من جميع أنحاء العالم للاستمتاع برؤية ذلك المشهد الجهنمي، وخصوصاً وقت
الغروب؛ إذ تُعد من عجائب الدنيا إذ يبلغ قطر هذه الحفرة 100 مترٍ، ويبلغ عمقها 50
مترًا. هناك من يرى أن بوابة جهنم هذه تجسيد لجهنم على الأرض، فيما يراها آخرون
تجسيدًا لخطأ الإنسان نحو الطبيعة، أما أصحاب الحدس الفني فيرونها صورة جمالية
ولوحة فنية رائعة.
المعلومات
البسيطة تخبرنا أن كمية الحرارة الناتجة عن الاحتراق، تختلف باختلاف الوقود
المستخدم، فشعلةٌ تتغذى على الغاز لا تعطي نفس كمية الحرارة لشعلةٍ تتغذى على
الكيروسين، أو البنزين، أو المازوت، أو الخشب، أو الفحم. ومن ثم تختلف كمية
الحرارة باختلاف المصدر المحترق.
أنواع
الوقود المتاحة للإنسان مختلفة ومتنوعة، منها ما هو تقليدي، مثل الفحم، والبترول،
والغاز الطبيعي؛ ومنها ما هو غير تقليدي، مثل الوقود النووي، أو مصادر الطاقة
المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، وطاقة الأمواج. بالاضافة إلى الأنواع
المعروفة السابقة، يوجد نوع من الوقود يعتمد بالأساس على مواد صلبة غير تقليدية،
ويعرف هذا النوع من الوقود باسم وقود الصواريخ، أو الوقود الصلب؛ وقد يكون وقود
الصواريخ؛ هو المفتاح الذى سهَّل لنا اكتشاف ماذا تعنيه وتمثله الحجارة بالنسبة
للوقود.
قد
يتبادر إلى الذهن عندما نشير إلى الحجارة كوقود، صورة الفحم الحجري ( الفحم الحجري
الذي يتكون في الأساس من الكربون، مع نسب صغيرة من عناصر أخرى، مثل النيتروجين
والكبريت، وقد استخدم لفترات طويلة، وما يزال يستخدم في كثير من البلدان لإنتاج
الطاقة الحرارية المستخدمة في توليد الكهرباء، وتشغيل بعض المصانع).
ليس
الفحم الحجري هو المقصود، وإنما المقصود الحجارة التي نعرفها ونراها أمامنا في كل
مكان!. قبل أن نبدأ في تتبع قصة الوقود العجيب الذي أشار له القرآن الكريم، لا بد
أن نعرف ما المقصود بالحجارة وما مكوناتها، ونغوص بعض الشيء في التفاصيل،
فالاعتماد على الصورة النمطية والتعريفات النمطيةـوالاستسلام لها، لن يأتي بجديد،
وخصوصاً في حالة وجود متسع للبحث والتنقيب. سنرى بعد قليل كيف أن المدلول اللغوي،
والحقيقة العلمية، يسيران جنباً إلى جنب؛ لخلق صورة بديعة تنطق بوحدانية الخالق،
وتساهم في دعم التصور عن القانون الواحد، الذي يربط جميع مكونات الكون، ومنها
اللغة، أو بالأخص الألفاظ القرآنية.
يبوح العلم بأسراره لمن يملك الوقت والصبر
الكافي لطرح الأسئلة وتتبع إجاباتها، وبقدر عمق الأسئلة وتحررها تنبت المعارف،
ويزدهر العلم ليصنع حلقة متطورة من حلقات تطور المعرفة البشرية. الحقائق التى نحصل
عليها لا يمكن وصفها بالحقائق المجردة، وإنما هي بالكاد انعكاسٌ لمعرفتنا، وقدرة
عقولنا على استيعاب هذه المعرفة، ومن ثم التعامل على أساسها. إننا مأمورون بالتفكر
ومحاولة الوصول إلى الحقيقة، بغض النظر عن النتائج، أما الوقوف على الحقيقة
المطلقة فهو شأن الخالق سبحانه وتعالى. ما يتبدى لنا من معرفة يقودنا إلى اليقين
بوجود الخالق، وما تعجز عقولنا عن إدراكه نقول آمنا به، كلٌّ من عند ربنا.
يبدو أن أحدهم قد لفت نظره استخدام لفظ الحجارة
في وصف وقود النار، فحاول فهم الأمر بحدود ما هو متاحٌ لديه من معرفة. فقد أهلته
تلك المعرفة لأن يفسر كلمة الحجارة بأنها حجارة خام اليورانيوم، التي يستخلص
اليورانيوم المخصب منها، واستخدامه في المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة النووية
الرهيبة. ولا شك أن ذلك في حد ذاته يعد اجتهادًا محمودًا ومحاولةً جيدةً للتدبر،
وإن جانبها الصواب، إما لقلة المعلومات لديه، أو للتعجل.
بدتْ
لي أن محاولة الباحث لربط مفهوم الحجارة بخام اليورانيوم مقبولة نوعاً ما، بسبب
التأثير الذي لا يمكن إنكاره للطاقة النووية وعِظَمِ شأنها، فلو طُلِبَ منك رسمُ
لوحةٍ فنيةٍ لتأثير جهنم على الأرض، ما وجدت صورةً أبلغ تعبيرًا من صورة الدمار
الذي لحق بهيروشيما، ونجازاكي في اليابان، جرّاء إلقاء القنبلتين النوويتين من
قِبَلِ الولايات المتحدة الأمريكية.
الحقيقة أنَّ اليورانيوم إذا اسْتُخدم كوقود لا
يمكن استخدامه في صورة حجارة، وإنما بعد عملياتٍ معقدةٍ من الاستخلاص ومستوى عالٍ
من النقاوة؛ يتحوَّلُ بعدها اليورانيوم إلى يورانيوم مخصَّب، يمكن استخدامه كوقود،
أو حتى استخدامه في الأسلحة الفتاكة.
تقوم
فكرة الوقود النووي على استخدام الطاقة الهائلة المخزونة في النواة عند انشطارها،
هذه الطاقة الرهيبة مكَّنت الدول العظمى من بناء نهضتها وقوتها الحالية بالشكل
الذي نراه. استخدام الطاقة النووية على رخص ثمنها هو أمرٌ غير آمنٍ، ويحتاج
لتكنولوجيا مرتفعة التكاليف للحد من مخاطرها، وتجنب حدوث كوارث بسببها.
يعلم
الجميع أن توافر مصادر للطاقة رخيصة الثمن، هو مفتاح أي تقدم وقاطرة أي نمو؛ لذا
تجد كل الدول التي تؤمن بالعلم وقدرته على النهوض بالأمة، تضع الأبحاث الخاصة
بالطاقة، وإيجاد مصادر بديلة على سلم أولوياتها.
سباقٌ
محمومٌ لا يحتمل التأجيل في معامل الأبحاث لإنتاج بديل آمن ورخيص للطاقة؛ فلقد
فكَّر الإنسان في استخدام كلِّ شيء وجرب كلَّ شيء لاستخدامه كمصدر للطاقة، الطاقة
الشمسية، أو طاقة الرياح، أو طاقة الأمواج، والحرارة الجوفية، والوقود الحيوي، حتى
احتكاك إطارات السيارات بالطرق ومحاولة توليد طاقة كهربية منه، كما حدث في الصين.
لكل مصدر من مصادر الطاقة ميزاته وعيوبه، وعن
طريق مقارنة الميزات والعيوب يمكن تحديد مدى إمكانية استخدام هذا البديل، وفي أي
مجال يمكن استخدامه. يعد البترول بلا شك هو أكثر المصادر استخداماً لعدة اعتبارات:
أولها مدى توافره ورخص تكلفته مقارنة بالمصادر الأخرى، وسهولة استخدامه، إلا أنَّه
لاعتبارات سياسية، وأخرى بيئية، أصبح البحث عن بديلٍ مناسبٍ هو الشغلُ الشاغل
للعالم حالياً.
مفتاح
أي تنمية بكل تأكيد لا بد أن يتوافر لها عاملان أساسيان؛ هما الماء والطاقة، فبدون
الماء والطاقة لا يمكن أن تقوم أي تنمية من أي نوع. مسألة توجيه المشروعات البحثية
في اتجاه التغلب على نقص المياه، وفي اتجاه إيجاد بدائل رخيصة للطاقة، هو مفتاح
بوابة العبور للمستقبل. فهل يمكن أن نكون بهذا الفصل قد ضغطنا الزناد، ووجهنا
الدفة نحو محاولة إيجاد نوع جديد كليًّا من الوقود، قائم على الحجارة؟
لقد كانت
الشرارة الأولى عندما شاهدت أحد البرامج المخصصة للتشكيك في كتاب الله، وكانت
الحلقة منصبةً حسب زعم المحاورين على خطأ ورود كلمة "حصب" في القرآن
الكريم، وأن الكلمة الصحيحة هي "حطب" لتشابه الكلمتين، ومعنى حطب
المتوافق مع المعنى العام الذى قال به كثير من المفسرين، وهو الترادف الذى يكاد
يكون تامًّا بين كلمة حصب وحطب.
لو
أننا انتبهنا إلى عدم وجود الترادف في اللغة العربية؛ بمعنى مطابقة كلمة لكلمة
بنسبة 100%، ولا يصح أبدًا وصف كلمة بكلمة واحدة، ولكن الكلمة أو اللفظ يصف حالة
معينة، لتجنبنا كثيرًا من المشقة والعنت.
دعوني
أنقل الحديث هنا حول كلمة حصب وحطب، كما جاء على لسان مقدِّم البرنامج. زعم الرجل
أنَّ القرآن به تحريف، استنادًا إلى أن به بعض الكلمات كتبت اعتباطاً، وليست هي
الحقيقة المقصودة. يقول مقدِّم البرنامج أنَّ من كتب القرآنَ هو من أخطأ في كتابة
الكلمة، ولم ينتبه إليه أحدٌ، وهكذا لم يؤتَ أحدٌ الشجاعة لتغييرها فصارت هكذا
بشكلها الحالي؛ لتصير - على حد زعمه - دليلًا قويًّا على عدم دقة القرآن، وأنه
كتابٌ بشريٌّ وليس من عند الله.
عند
هذه النقطة يتبدى الفرق بين الإيمان والعلم، وبين قلب مؤمن وعقل يشك. القلب المؤمن
يؤمن تماماً أن الكلمة صحيحة لا ريب فيها، والعقل يسأل كيف جاءت هكذا حصب، ولا بد
أن خلفها سرًّا عظيمًا.
من
خلال القلب المطمئن والعقل الذي يحمل التساؤلات سنكتشف دقة هذا اللفظ العجيب.
كلمة
"حصب" التي وردت في سورة الأنبياء ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن
دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ (سورة الأنبياء :الآية
98)، هي محل الاعتراض والنقد.
استعرض
الرجل تفسير المفسرين ليصدروا عن رأي واحد، وهو أن حصب معناها حطب فكان استنتاج
الباحث أن كاتب القرآن استبدل الطاء في كلمة حطب بالصاد، فأصبحت (حصب)، وحصب هنا
ليس لها أي مدلول كما يقول مقدم البرنامج؛ ثم استعرض الرجل مخطوطة قديمة دوِّنت
عليها الآية، وكان رأيه أن سنة حرف الصاد ما هي إلا باقي حرف الطاء، ولكن الأمر
تشابه على الكاتب فلم ينتبه لذلك؛ ثم استرسل مقدِّم البرنامج في تحليله بأن الخطأ
كان ورطةً فلم يجرؤ أحدٌ على تغييره؛ حتى لا يقدح أحد في القرآن الكريم.
لقد كان هذا الاستدلال بهذه الطريقة استدلالًا
سخيفاً وعبثيًّا لشخص يؤمن أن القرآن الكريم هو كتابٌ من عند الله، ولا سبيل
للاختلاف فيه، ولكنَّ كلام الرجل لشخص لا يؤمن بالقرآن يبدو منطقيًّا، وخصوصاً
بإقرار القدماء بالترادف، وأنه لا فرق بين حصب وحطب.
ما
دوَّنه المفسرون، وما نقلوه عن ابن عباس، في معنى كلمة "حصب" لا يتعدى
كونه مجرد اجتهاد بشري، ومحاولة لفهم المعنى في صورة بسيطة اعتمادًا على
السياق.كلمة "حصب": لا يمكن أن يكون معناها حطب، إلا إذا كنا نقصدها من
حيث التشبيه، أي أن الحطب وقود النار في الدنيا، والحصب هو حطب أي: وقود النار في
الآخرة.
أقوال
المفسرين تدور حول معنى حصب، هو حطب أو وقود جهنم، وحتى معاجم اللغة قد استقت
المعنى أيضاً من أقوال المفسرين في أغلبها؛ إلا أن هناك المعنى المجرد للحصب غير
واضح، وهو الحجارة الصغير، أو الحجارة الصغيرة المتبلرة. أرضٌ حصباء أي: مليئةٌ
بالحجارة الصغيرة، أو بالحصى.
إذا كان أصل الحصب هو الحجارة الصغيرة، فلا بد
أن يلفت الانتباه إلى الآيات الكريمة التي تتحدث عن وقود جهنم في الآخرة على أنه
الحجارة أيضًا. إنه التناسق والتوافق في كتاب الله، فاستخدام لفظ حصب الأدق
والأشمل، يصف أيضًا وقود جهنم الصلب، الذي وصف من قبل بالحجارة، وكأنها إشارة ترشد
الإنسان إلى أن هذا الوصف ربما يحمل أسرارًا علمية أو نظرية من نظريات المعرفة حول
الوقود، وحول تركيب الحجارة.
لا بد
لنا أن نشير إلى أن كلمة حطب، كما في قاموس اللغة بمعنى وقود، ولكن نستطيع أن نفرق
الآن بين حطب، وبين حصب؛ فالحطب تشير إلى الوقود الليِّن، بينما الحصب هو الوقود
الصلب، بل حصريَّا الحجارة الصغيرة. نلاحظ أن كلمتي الحطب والحصب تختلفان فقط في
الحرف الأوسط، فالطاء في حالة الحطب، الذي يدل بحسب بعض المصادر المعنية بدلالة
الحروف الصوتية على نوع من الطراوة، بعكس حرف الصاد الذي يدل على الصلابة. وقود
جهنم هو وقود صلب، والذي ذكره ربنا في مواضع أخرى على أنه الحجارة .
الخواطر القرآنية
يقول
الله سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ (سورة التحريم: الآية
6).
انهمك
الوعاظ والشُراح في وصف النار سلاسلها وأغلالها، وسعيرها وحميمها، وقعرها، وقد
أضافوا أضعافَ أضعاف ما وصفها الله سبحانه وتعالى ترهيباً ورغبةً منهم في تنفير
الناس من حرِّها، وحرصاً منهم على تهويل أهوالها لردع تلك النفوس التى لا ترتدع
إلا بالخوف. كلما تعاظم الخوف في النفوس والعقول البدائية، قلَّت فرصة اقترافها
للمحرمات، بعكس النفوس والعقول الراقية التي أصابها حظٌ من العلم والمعرفة، فهي
تعبد الله لأنه أحق أن يُعبد، فلا تلفت إلى تضخيم العذاب أو تعظيم المنح. ترى
النفوس السليمة في معصية الله أقصى أنواع العذاب الدنيوي قبل الأخروي، وفي اتباع
المنهج الإلهي انسجام وتناسق ورغد في الدنيا قبل الآخرة، انطلاقًا من شعور تلك
النفوس بالمسئولية التى أوكلها إليها ربها. سنأتي على تفصيل تلك المسئولية،
وعلاقتها بوجود الإنسان، والغرض من وجوده بالتفصيل في الجزء الثالث بإذن الله.
من
أنهك تفكيره في حيَّات النار وعقاربها وكلابها وسلاسلها، لن تمثل له الحجارة سوى
أداة إضافية من أدوات ووسائل التعذيب في النار، وهي محاولة لتجسيد وتضخيم فكرة
العذاب حتى تستوعبها العقول بسهولة. لكن لماذا لم يطرح أحدهم تساؤلًا: لماذا
الحجارة، ولماذا هذا اللفظ تحديداً؟.. من أهم مميزات العالم العبقري هو اختيار
ألفاظه بعناية فائقة حتى تكون أفكاره معبره بشكل صحيح عما يريد طرحه، فما بالكم
برب العالمين الخالق ذي العلم والقدرة المحيطة، كيف تكون كلماته! الجنوح إلى
المنطقة المريحة ومحاولة استسهال فهم الكلمات من خلال الترادف لا يليق أبدًا بهذا
الكتاب العظيم، ولا يمكن تمرير هذا الفهم بهذه البساطة، إذ ينم عن عدم تقدير لقدرة
وعلم الخالق.
اللافت
للنظر أن القرآن الكريم، عندما وصف وقود النار بالحجارة، كان وصفاً حقيقيًّا، أي
ليس ضرب مثال كما في أغلب حالات وصف الجنة، التي جاءت بلفظ "مثل الجنة"
﴿مَّثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
أُكُلُهَا دَآئِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى
الْكَافِرِينَ النَّارُ﴾ (سورة الرعد: الآية 35).
﴿مَثَلُ
الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ
آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ
خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ
فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ
فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ﴾ (سورة محمد : الآية
15).
في
المقابل عندما وصف ربنا وقود النار لم يضرب مثلًا، كأن يقول مثل وقود النار
الحجارة، وإنما قال وقودها الناس والحجارة. إذا سلمنا أن القرآن من عند الله، وأن
كل كلمة فيه لها مدلولها ومقصودها، فلا بد أن ندرك أن استخدام الكلمات، إنما هو
نظمٌ إلهي يحوي أسرارًا ليست منتهية، وعلومًا محيطة، لأن مَنْ نظمها هو من نظم
الكون بقوانينه وأسبابه جميعها.
لفظ
"الحجارة" ماهي إلا كلمة من ذلك النظم الإلهي البديع، الدال على سر
عظيم، ويصف المسمى بعلم وقدرة. عندما يشير المولى عز وجل إلى أن الحجارة هي وقود
للنار في الآخرة، فكأنما يستحث عقولنا لكي نسأل ونبحث، ونحاول بقدر ما يسر الله
لنا من العلم أن نبحث في المفاهيم والتجارب العلمية، لعل الله أن يفتح لنا من
أبواب علمه.
ذُكرت
كلمة "حجارة" في القرآن الكريم تسع مرات، ثنتان منها فقط مرتبطةٌ
بالنار، وذلك في موضعين هما : ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا
فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ
لِلْكَافِرِينَ﴾ (سورة البقرة: الآية 24).
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ
وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا
أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (سورة التحريم: الآية 6).
عندما
نقرأ في كتاب الله ونرى أن الله العليم الحكيم قد أشار إلى وقود النار بالحجارة
دون غيرها من الكلمات، مثل الصخور وهي كلمة قرآنية، أو حديد، وكلمة حديد أيضاً
كلمة قرآنية، بل سميت سورة كاملة باسم الحديد، أو حتى النحاس؛ فعندما ترى هذا
التناسق العجيب في استخدام كلمة حجارة دون غيرها، ثم كلمة حصب التي تعني أيضًا
الحجارة الصغيرة المتبلرة، فلا بد أن يستثير ذلك النفوس المتلهفة للمعرفة، ويحثها
على البحث والتنقيب.
في
البداية سوف نحاول تحديد معنى كلمة "حجر" وكلمة "صخر" والفرق
بينهما، والتي يستخدمها لسان العرب تقريباً بنفس المعنى. اللسان العربي يسمي
الأشياء بناءً على معرفته بها، وهي معرفة بشرية ناقصة بعكس مدلول المسميات في كتاب
الله، لذلك تجد اللسان العربي لا يفرق بين الحجر والصخر سوى من حيث الحجم؛ فيصف
الصخر على أنه القطع الكبيرة، أما الحجر فهي القطع الصغيرة، والقطع الأصغر يسميها
حصى (شرح نظرية نشأة اللغة، والفرق بين المسميات القرآنية الحقيقة، والمسميات
البشرية المختلطة، جاء بالتفصيل في الجزء الثاني).
من
خلال الاهتداء بمدلول الكلمة في كتاب الله، ومن خلال جذر الكلمة، وبعض المعلومات
العلمية سنحاول التفريق بين لفظ حجر، ولفظ صخر، ولعل بعد هذا البحث تتغير نظرة
الجيولوجيين لمفهوم كلمة حجارة، ومفهوم كلمة صخور التي يستخدمونها في وصف
التكوينات الجيولوجية.
جذر
كلمة "حجر" ثلاثة أحرف، الحاء
والجيم والراء، في معجم مقاييس اللغة لها أصلٌ واحدٌ، وهو المنع والإحاطة، ولو
تطرقنا للكلمات التي أولها حرف الحاء، وثانيها الجيم كجذر ثنائي، ومعناها إطافة أو
إحاطة، ومن ثم قمنا بإضافة الحرف الثالث سندرك أن المعنى يتغيرُ تغيرًا طفيفاً
بتغير الحرف الثالث كالتالي:
الحجز
: هو المنع بين شيئين .
الحجف: هي الترس الصغير يطارق بين جلدين.
الحجل:
هو شيء يطيف أو يحيط بشيء.
الحجم:
هو أيضاً نوع من المنع.
الحجن:
هو الميل ويقصد به الميل الذي يمنع شيئًا آخر أو يحيط به.
الحجا:
معناه إطافة شيء بشئ آخر .
الحجب:
أيضًامعناها المنع.
كلمة
حجر من خلال مدلول الجذر الثنائي، ومن الرجوع بالاستعانة بمدلول حرف الراء الذي
يدل على التكرار، سندرك أن الحجر ما هو إلا تكوين ممسوك أو محجوز بقوة معينة في
دورات متماسكة ومتكررة. من الواضح أن خصائص وصفات الحجر هو عملية الإطافة أو الإحاطة (دورات متكررة).
للوصول
لمفهوم الحجر لا بد لنا من معرفة علمية معقولة عن تكوين ما يسمى بالصخور والأحجار،
هذه المعرفة عند مقارنتها مع جذر الكلمة سنجد أن لفظ حجر ينطبق تمامًا على ما
يُعرف اصطلاحًا باسم الصخور الرسوبية.
هذا
التكوين المتكرر والمنع والإحاطة يتوافق تمامًا مع نشأة التكوينات الرسوبية، وعلى
ذلك تسمية هذه التكوينات بالصخور، هي تسمية غير حقيقية أو غير صحيحة، والتسمية
الصحيحة هي أحجار رسوبية.
جمع
كلمة حجر، كما وردت في القرآن هو حجارة، وهناك في لسان العرب جمع آخر وهو أحجار،
والفرق بينهما، كما في لسان العرب أن الحجارة : جمع الحجر الكثير، كأن نقول حجارة
الجبل، أما الأحجار فهي جمع الحجر القليل، مثل أحجار الماس، أو الأحجار الكريمة.
لدينا ملاحظة هنا وهي أن ما نطلق عليه أحجار كريمة هي ليست أحجارًا رسوبية ينطبق
عليها لفظ الحجر؛ على النقيض من ذلك كما سنرى هي تكوينات صخرية أصلها ناري، تكونت
نتيجة خروج مصهورات من البراكين.
بالبحث
عن جذر كلمة صخر في قاموس اللغة لابن فارس أو لسان العرب لابن منظور، سنجد أنه لا
جديد، وليس هناك أي معلومة عن تركيب أو وصف هذه الكلمة سوى القول إنها تصف الحجر
العظيم.
المتاح لدينا هو الجذر الثنائي صخ، والصاد
والخاء، كما في مقاييس اللغة يدل على صوت من الأصوات المرتفعة الحادة، كما في
الصاخة (صوت مرتفع يصم الآذان) وصخَّ الغراب بمنقاره أي: طعن، فالصخُّ هو فعل شيء سريعٌ مفاجئٌ فيه قوة.
ورُغم أن مقاييس اللغة لم تزدْ على تعريف الصخر بأنه حجر عظيم، إلا أنَّ مدلول
الكلمات الشبيهة، التي تحتوى على الجذر الثنائي الصاد والخاء مضافة إلى الحرف
الثالث قد تعطى لنا دلالة على معنى صخر والمقصود منها.
صخد: وهي كما في مقاييس اللغة شدة الحر أو الحرّ
الشديد.
الصخب:
وهو الصوت العالي.
ولو
نظرنا إلى كلمة "صخر" فهي تنتهى بحرف الراء، وإذ صوت الراء يوحي
بالتكرار، نستنتج أن وصف كلمة صخر تصف حالة مكونات سريعة مفاجئة متكررة.
بمقارنة ما حصلنا عليها من معلومات، وبما هو
متاح من معلومات جيولوجية، نعتقد أن كلمة صخر هي التوصيف الحقيقي للصخور النارية،
والتي تكونت نتيجة اندفاع البراكين من باطن الأرض في شكل حمم بركانية بردت سريعاً.
التكوينات البركانية التي تكون الصخور النارية تتميز بالقوة والسرعة والحرارة
الشديدة، الناتجة عن البركان، والمدى الزمني القصير مقارنة بالتكوينات الرسوبية.
استخدم كتاب الله لفظ الحجارة في وصف وقود
النار، وتبعًا لهذا الوصف لا بد أن يوجد فرق بين مسمى الحجر ومسمى الصخر.
يعرف
المتخصصون جيدًا أن الفرق بين الحجر الرسوبي، وبين ما يعرف بالصخر الناري، هو فرق
كبيرٌ جدًّا في النشأة، والتركيب، والمكونات، وأيضًا في المدة الزمنية التي
يحتاجها كل نوع للتكوين.
التسمية
القرآنية ليست مجرد وصف بدون دلالة، ولكن لها دلالة واضحة مما يزيد اليقين يقينًا
أن هذه اللغة هبة إلهية، وليست من صنع البشر بشكل خالص، أو كما يعتقد أهل اللغة
حاليًا أنها اصطلاح تم بين البشر.
تبعًا
للفظ حجر ومنطوقه، وجذر الكلمة فإن الحجر هو المادة التي تكونت عن طريق ترسباتٍ
متتالية، ومتكررة في مدة زمنية كبيرة مقارنة بالتكوينات الأخرى، وتماسكت مكوناتها
بقوة معينة فيما يعرف علميَّا بالتكوينات الرسوبية (حجر رسوبي).
عند
تفصيل مكونات كل من الحجر الرسوبي والصخر الناري، وفهم كيف يمكن أن تستخدم تلك
المكونات كوقود سيكون لدينا دليل لا يمكن إنكاره على مفهوم الحجر ومفهوم
الصخر.
الإجابة
عن سؤال ما علاقة تركيب الأحجار ونشأتها باحتمالية كونها وقودًا؟ وهل يمكن
الاستفادة من هذه الفرضية بشكل علمي، سنجيب عنه في الأسطر القادمة؟
الرؤية العلمية
تبعًا
لعلم الجيولوجيا فإن الأحجار الرسوبية المعروفة اصطلاحًا باسم الصخور الرسوبية، قد
تكونت نتيجةً لترسب طبقات رقيقةٍ جدًّا من المواد الأولية، التي تشمل موادًا عضوية
وبعض أكاسيد المعادن، والأملاح، والكربون، على مر العصور. المدى الزمني الذي
استغرقته تلك الأحجار لتصبح بالهيئة التي عليها الآن يشبه إلى حد كبير تكوين
البترول، غير أن البترول في مجمله مواد هيدروكربونية، بمعنى أن العنصرين الأساسيين
في تكوين البترول هما الهيدروجين والكربون. أما بالنسبة للأحجار الرسوبية فهي
تتكون في المجمل من أكاسيد وأملاح لمعادن مختلفة، مثل أكسيد السليكون، والمشهور
بالرمل ومخلوط من أكاسيد الحديد، والمشهور بالصدأ، وأكسيد الكالسيوم المشهور
بالجير الحي، وأكسيد النحاس، وأكسيد الألمونيوم، وأكسيد المنجنيز، وأكسيد
الماغنسيوم، وكربونات الكالسيوم، وكبريتات صوديم، وماغنسيوم ... إلخ؛ بالإضافة إلى
نسبة صغيرة من المعادن المنفردة، مثل الحديد، والنحاس، وبعض المكونات العضوية
القادمة من بقايا كائنات، والتي تتكون بالأساس من عنصر الكربون.
الجدير
بالذكر أن الأملاح التي تُكون أغلب مكونات الحجر الرسوبي، تتفكك بالحرارة المتوسطة
إلى الأكسيد المقابل، وتصبح هذه الأكاسيد نشطة لدرجة كبيرة جدًّا وجاهزة
للتفاعل. عند استخدام لفظ الأكاسيد التي تتكون منها الأحجار الرسوبية في هذا
الفصل، فإننا نعني بذلك الأكاسيد الأساسية، وكذلك الأكاسيد الناتجة عن تحلل
الأملاح الداخلة في تركيب الحجر الرسوبي، بواسطة الحرارة المتوسطة.
تنقسم
الأحجار الرسوبية من حيث النشأة إلى نوعين رئيسيين هما:
النوع
الأول: الأحجار الرسوبية ذات النشأة الكيميائية التي يغلب على تركيبها المواد غير
العضوية؛ وأهمها الحجر الجيري. أغلب محتوى هذه الأحجار هو أملاح، وأكاسيد لمركبات
مختلفة.
النوع
الثاني: الأحجار الرسوبية ذات المنشأ العضوي، التي تحتوي على ترسبات عضوية ناتجة
عن البكتيريا الدقيقة، التي نتجت بدورها عن تحلل النباتات الخضراء، بالإضافة إلى
بعض الأكاسيد، والأملاح الناتجة عن مياه البحيرات والمستنقعات. جدير بالذكر أن
نشير إلى حالة خاصة من تلك الأحجار؛ وهي ما يعرف باسم (الصخور) السلكية ذات الأصل
العضوي الناتجة عن بقايا كائنات حية، مثل الإسفنج، والراديولا، والرديومات، وبعض
النباتات المائية.
على
الجانب الآخر: التكوينات الصخرية، أو ما يطلق عليها الصخور النارية، وهي تسمية
صحيحة مائة بالمائة؛ بسبب تكوينها المطابق تمامًا لمسماها. هذه الصخور تختلف
تمامًا عن الأحجار الرسوبية من حيث النشأة والتركيب؛ في حين أن المادة الأساسية في
الأحجار الرسوبية هي عبارة عن الأملاح والأكاسيد، سنجد أن المكون الرئيسي للصخر
الناري هو مادة السليكات ( ناتج تفاعل أكاسيد، وأملاح عند رجات حرارة عالية
مرتفعة).
السليكات
هي عبارة عن اتحاد عنصر السيليكون مع مركبات أخرى، أو تفاعل أكسيد السليكون، وهو
الرمل مع أكاسيد مختلفة عند درجات حرارة مرتفعة. خروج المواد المنصهرة من البركان
هو ما يوفر درجة حرارة مناسبة لهذا التفاعل؛ فتتحول كل التكوينات الموجودة في طريق
المواد المنصهرة والخارجة من البركان إلى ما يعرف بالصخور النارية.
هذا
التفاعل وطريقة الاحتراق هذه هي بالضبط ما يستخدم في صناعة السيراميك تحت ظروف
وشروط معينة للتحكم في جودته ونوعيته؛ فالسيراميك يمكن أن نطلق عليه صخورًا نارية
صناعية، يصنعها الإنسان على عينه ويتحكم فيها، وهو مواد ثابتة حراريًّا، أي أن
السيراميك يتحمل درجات الحرارة المرتفعة، وذلك بسبب عدم قابليته للتفاعل عند درجات
الحرارة العالية. كذلك الصخور النارية تعد صخورًا ثابتة حراريًّا بسبب الراوبط
القوية جدًّا في تلك المركبات المعروفة بالسليكات، التي لا تتأثر بالحرارة،
وبالتالي لا يمكن استخدام الصخور النارية في مرحلة أخرى كمواد متفاعلة. بخلاف ذلك
فإن الأحجار الرسوبية بمكوناتها النشطة من الأملاح والأكاسيد، تعتبر وسطًا قابلًا
للتفاعل عند درجات الحرارة المرتفعة.
احتراق
الوقود ما هو إلا تفاعلٌ كيميائي ينتج عنه حرارة، وغالبًا بعض الغازات، فإذا
استخدمنا في هذا الفصل كلمة تفاعلات، فإننا نقصد عملية الاحتراق والتحول من مادة
إلى أخرى، أي عملية الاشتعال التقليدية.
إن من
يمتلك بعض المعلومات من صفوف الدراسة عن المواد المشتعلة، عندما يقرأ الآن عن
مكونات الأحجار الرسوبية، التي تتكون من مجموعة من الأكاسيد والبقايا العضوية، قد
يتبادر إلى ذهنه أن مسئولية الاشتعال واعتبار الأحجار الرسوبية وقودًا، قد يعود
إلى المكونات العضوية، التي تشبه إلى حد كبير المواد البترولية أو الفحم! نعم..
يمكن أن تسهم البقايا العضوية في عملية الاحتراق، ولكن بنسبةٍ قليلةٍ جدًّا، ولكن
المعني بالأمر هنا هي الأكاسيد والأملاح!
كمحاولة
لفهم الفرق بين احتراق المواد العضوية، مثل الفحم، واحتراق مواد كالأكاسيد؛
سنستخدم تعبير درجة حرارة، بسبب بساطتها وتقريب الفكرة بدلا عن استخدام تعبير كمية
الحرارة، التي تحتاج لمتخصصين. درجة حرارة احتراق الفحم تصل إلى 400 درجة مئوية،
بينما مخلوط من الأكاسيد - كما سنرى بعد قليل - يمكن أن تصل درجة حرارة تفاعله إلى
6000 درجة مئوية، وهو ما يساوي تقريبًا درجة حرارة سطح الشمس.
الأكاسيد
إنه
لأمرٌ شيقٌ تتبع واكتشاف سحر المركبات المسماة بالأكاسيد، التي تنبَّه لها العالم
حديثًا في سباقه المحموم في تطوير البرامج الصاروخية بعيدة المدى، والقذائف شديدة
الانفجار. معظم ما يُتَداول هو النذر البسيط جدًّا حول هذا العلم، الذي تعد كل
خطوةٍ فيه سرًّاخطيرًا من الأسرار العسكرية تحتفظ به الدول في إطار تطوير برامجها
الصاروخية.
محاولة
البحث خلف هذا الأمر هو أمرٌ شديدُ التعقيد بسبب قلة المعلومات المتاحة، وخصوصًا
عن بعض الأكاسيد التي يوجد مؤشرات على أنها ذات طبيعة غير متوقعة في تفاعلاتها،
ونشاط غير اعتيادي بل وخطير جدًّا. في المقابل هناك أبحاث منشورة عن تفاعلات شهيرة
تسمى الثرميت Thermite والتي تستخدم أكاسيد معتادة في تفاعلها
كوقود، مثل أكسيد الحديد، والنحاس، والمنجنيز، والألمونيوم، وأغلب الأكاسيد
المعروفة. كلمة ثرم تعني حراري، وعلى ذلك فمصطلح ثرميت يعني تفاعلًا شديد
الاشتعال.
تفاعل الثرميت في أبسط صورة له، وكما يعرفه
الكيميائيون، هو تفاعل يتم بين مسحوق الألمونيوم وأكسيد الحديد (الصدأ)، هذا
التفاعل يحتاج لدرجة حرارة مرتفعة نسبيًّا لكي يبدأ التفاعل، على الأقل 600 درجة
مئوية. إذا توافرت درجة حرارة تصل إلى 600 درجة مئوية؛ فإن التفاعل يبدأ بالعمل،
وينتج طاقة حرارية عالية جدًّا تصل درجة حرارة التفاعل في ثوانٍ معدودة إلى ما
يقرب من 3000 درجة مئوية.
من
خلال تتبع أكثر من 260 براءة اختراع، وأكثر من 300 ورقة بحثية تتحدث عن تفاعل
الثرميت ومدى قابلية استخدام أكاسيد مختلفة، أو مخلوط من الأكاسيد، كانت النتيجة
اكتشاف أن جميع الأكاسيد تقريبًا تتفاعل هذا التفاعل بشرط توافر درجة حرارة
مناسبة، وفلز حر له نشاط أعلى من الفلز المكون للأكسيد، أو على الأقل هو نفسه
الفلز المكون للأكسيد، مثال ( حديد حر مع أكسيد الحديد).
العجيب
في أمر هذا التفاعل هو أنه يمكن أن يسير كتفاعل متسلسل، بمعنى كل تفاعل منتهٍ يعمل
كشرارة لبدء تفاعل جديد، لتزداد درجة الحرارة بشكل مطرد وسريع، ويتوقف فقط التفاعل
في حالة نفاد الأكاسيد، أو تكوين ما يسمى بالسليكات في حالة وجود أكسيد السليكون.
مع
إمداد التفاعل بالأكاسيد والمواد النشطة، يمكن أن يستمر التفاعل، وتعمل الأكاسيد
كوقود لهذا التفاعل، ولكن التحكم في هذا التفاعل صعبٌ للغاية بسبب سرعة التفاعل
العالية جدًّا، والارتفاع المفاجئ في درجات الحرارة.
بحسب
المعلومات المتاحة، فإن تفاعلًا مثل تفاعل الثرميت له تطبيقات عديدة، حتى إن أحد
هذه التطبيقات هو تحضير حبيبات الماس صناعيًّا باستخدام نسب محددة من أكاسيد عناصر
حرة.
إنها
تفاعلات معقدة، ولكنها تفاعلات ممكنة وخطيرة، تشبه إلى حد ما التفاعلات النووية في
شكلها المتسلسل، تفاعلات قد تصل درجة حرارتها إلى 6000 درجة مئوية. عند هذه الدرجة
المرتفعة يصبح التنبؤ بسلوك المواد المتفاعلة صعب للغاية.
كما
ذكرنا أن الحجر الرسوبي ما هو إلا مجموعة من الأكاسيد، والأملاح، والمواد العضوية
المتجمعة والمتحجرة في حيز صغير جدًّا، ما أن تتعرض لظروف تفاعل مناسبة، إلا وتبدأ
في السلوك كوقود. الأحجار الرسوبية تختلف عن بعضها، في نسب المواد المكونة لها،
وعدد مكوناتها حسب نشأتها وظروف تكوينها؛ لذا لا يمكن بناء نموذج موحد لسلوكها في
التفاعلات، ولكن يمكن فهمها من خلال إطار عام. استخلاص الأكاسيد والأملاح من
الأحجار، واستخدامها كوقود أصبح اليوم شيئًا بديهيًّا، ولكن السؤال هو هل يمكن
استخدام الحجر كوحدة واحدة كوقود؟
لا شك
أن الأحجار الرسوبية بما تحتويه من أكاسيد ومواد، تمثل مخزونًا استراتيجيًّا
للطاقة، وتفاعل مكوناتها عند درجات الحرارة العالية، بقدر ما هي واعدة بقدر ما هي
خطرة، وتحتاج وسائل أمان واحتياطات بدرجة عالية وغير مسبوقة.
لقد أمكننا التأكد من تفاعل معظم الأكاسيد
المعروفة، ولكن يبقى هناك نوع آخر من الأكاسيد عليه تعتيمٌ شديدٌ جدًّا، مثل
أكاسيد الصوديوم، والماغنسيوم، والبوتاسيوم، والكالسيوم. كل ما لدينا حول هذه
الأكاسيد أنها تستخدم في القذائف شديدة الانفجار.
تبقى
نقطة أخيرة، هل يمكننا الاستفادة من هذه التفاعلات وتسخيرها في أغراض سلمية؟
نظريًّا.. نعم يمكن، ولكن عمليًّا الأمر يحتاج لدراسات طويلة، ومعقدة حتى يمكننا
الجزم نهائيًّا بإمكانية إجراء هذه التفاعلات والتحكم فيها، ثم تأتي بعد ذلك
الدراسات الاقتصادية للتأكد من جدوى تفاعلات كهذه.
لا شك
أن احتمالية هذه التفاعلات قائمة، والسيطرة عليها والتحكم فيها أمرٌ ليس ببعيد،
ولكن تحتاج لجهود مخلصة ومعرفة عميقة. وقد تكون الدول العظمى قد توصلت بالفعل لتلك
الحقائق، ولكن لم تسمح بعد بنشرها أو الاطلاع عليها؛ بسبب ما يمكن أن يمثله ذلك من
تحول في مفهوم المواد عالية الطاقة، وسهولة الحصول عليها.
إن
استخدام الألفاظ القرآنية لها مدلولها، الذي لا يمكن لعاقل أن يعتقد أنها جاءت
هكذا دون دلالة واضحة، فإن استطعنا إدراك هذه الدلالة وفهمها، فهو فتح من الله،
وإن لم نستطع نحن بعلمنا وإمكاناتنا، فقد يأتي خلفنا مَنْ يملك الأدوات ويصحح من
أخطائنا، ويفهم ما عجزنا عن فهمه. حسبنا من ذلك أننا أثرنا فكرة وطرقنا بابًا لم
يطرق من قبل، وأسسنا لطريقة تفكير جديد من خلال فهم مدلول الكلمات في كتاب الله.
هذا
الفصل يحتوي على معلومات لغوية، وتصحيح مسميات، مثل كلمة حجر، وصخر، التي يمكن أن
تكون نواة لبحث لغوي يتم من خلاله إعادة وصف الكلمة في معاجم اللغة.
أيضًا
مفهوم الأحجار الكريمة، أثبتنا أن الوصف الصحيح لها هو صخور، وليس (أحجار). بجانب
المعلومات اللغوية فهناك معلومات علمية تحتاج لأن تختبر وتوضع على طاولة البحث، لربما
كانت فتحًا معرفيًّا لنوع من الوقود متوافرة لدينا مواده الخام بكثافة، ولم يستغل
الاستغلال الأمثل بعد.
تصحيح
المسميات تبعًا لكتاب الله سيتيح فهم حقيقة الأشياء، ومن ثم اكتشاف معارف وعلوم
جديدة، عن طريق فهم التعبيرات القرآنية. تصحيح كلمة واحدة يتبعها تصحيح كلمات، ومن
ثم فهم تعبيرات قرآنية لم تفهم بالطريقة الصحيحة. إنها محاولة لربط كلمات الله
الناطقة بكلماته الصامتة.
ملاحظة:
لقد أرشد القرآن الكريم لبعض مفاتيح فهم هذا الوقود، ومنها توافر درجة حرارة
مرتفعة، وكذلك هناك إشارة قرآنية قد تكشف لنا النسب التي تجعل من هذا الحجر وقودًا
لا مثيل له، ولكن نتوقف هنا على أن نعود بفصل في الأجزاء الأخرى عن هذه النسب.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق