الفصل الأول
"وَظَنَّ أهلُهَا أنَّهُمْ قَادِرُونَ
عَليْهَا"
"لا
شك أن فكرة التحكم بالظواهر الطبيعية؛ هي فكرة غاية في الخطورة، خصوصًا إذا استطاع
أحد مجانين هذا العالم فك لغز تلك الظواهر وقدر عليها. فتحويل فكرة كهذه إلى سلاح
ينذر بعواقب وخيمة، فسيكون سلاحًا أقوى من أي سلاح معروف، فأنت تتحدث عن إيقاظ
البراكين، وتحريك الزلازل، وإرسال الأعاصير"
لقد
رصدَّ المركز الدولي للتحكم والسيطرة تَكوُّن إعصار من الدرجة الخامسة؛ إذ تبلغ
سرعة الرياح في مثل هذه الأعاصير أكثر من 250 كم/ الساعة قبالة الساحل الشرقي
للولايات المتحدة الأمريكية، وقد تم التعامل مع الموجات الناشئة وتفكيكها، ويمكنكم
الآن الاسترخاء على شواطئ سواحلنا الشرقية، والاستمتاع بالطقس الربيعي الساحر. منذ
ساعتين تم رصد نشاط غير عادي في باطن بركان "نيراجونجوا" بالكونغو، وقد
قام المركز بالتعامل معه، من خلال بث موجات مثبطة أدت إلى التوقف الفوري للنشاط
البركاني، ومن ثمَّ يمكنكم ممارسة أنشطتكم اليومية دون قلق، ونتمنى لكم رحلاتٍ
بريةٍ سعيدة بين أحضان الطبيعة الساحرة. قد لوحظ منذ دقائق تحرك الصفيحة التكتونية
العربية باتجاه الشمال الشرقي في اتجاه الصفيحة التكتونية الإيرانية، وتم إيقاف
تحركها بسلام، وتجنيب المنطقة زلزالًا كارثيًّا، ونستطيع الآن أن نؤكد أنه لا يوجد
ثمة أي نشاط غير طبيعي بهذه المنطقة.
قد
تكون مثل هذه الأخبار بعد قرنٍ أو قرنينٍ من الزمان، من الأخبار المصاحبة للنشرة
الجوية، كحركة الرياح الموسمية، وتكوُّن المنخفضات الجوية وسقوط الأمطار، أخبارًا
روتينية، لا تثير فضول المشاهدين أو تجذب انتباههم، بسبب الأمان البيئي، الذي أصبح
نتيجةً طبيعيةً للتقدم العلمي والتكنولوجي غير المسبوق. قد يشاهد أحفادنا أفلامًا
وثائقية عن الآثار المدمرة لأعاصير، مثل إعصار "موراكوت" الذي ضرب
تايوان في أغسطس 2009م ، وسبَّبَ فيضاناتٍ عارمة، فقد بلغ عدد ضحاياه نحو 700 شخص
بين قتيل ومفقود؛ أو إعصار "سيدر" الذي أصاب بنجلادش مخلفًا وراءه 4100
قتيل ومفقود عام 2007م؛ أو حتى إعصار "نرجس" الذي تشكَّل في خليج
البنغال ليضرب ميانمار في 27 أبريل 2008م، بسرعة قدرها 165 كيلو مترًا في
الساعة، تاركاً خلفه 78000 قتيل، و56000 مفقود، فضلًا عن الخسائر المادية التي
تقدر بـ 10 مليارات دولار.
قد تصبحُ مثل هذه الأخبار أو الأفلام الوثائقية
مثار تندر وسخرية من أحفادنا؛ إذ كيف عاش أجدادهم في أكناف طبيعية متوحشة لا تَرْحَم،
وكيف طاب لهم العيش وهم لا يَدرون ماذا يمكن أن يُفعل بهم بعد ساعات أو حتى بعد
لحظات، وكيف هم اليوم - وبفضل العلم الحديث - أصبحت الأرض مكانًا أكثر أمنًا
وراحةً، ولا شيء يحدث فيها خارج السيطرة أو غير اعتيادي.
لا شك
أن عقل الإنسان لا تحدُّه الحدود؛ إذ يسعى بكل السبل لترويض الطبيعة وجعلها رهن
إشارته. فمنذ أن وطئتْ أقدامه هذه الأرض، وحياته مرتبطةً ارتباطًا وثيقًا بقدرته
على التحكم، وتسخير ما حوله؛ وعندما نجح الإنسان الأول في تسخير النار، تحولت
حياتُه إلى مرحلةٍ جديدة من التطور والرقي، ومنذ ذلك الوقت البعيد وهو لا يكُّف عن
التفكير في تسخير الطبيعة والتحكم في مواردها من حوله، بدءًا من ترويض الخيول
البرية، لتساعده في حمل أمتعته وترحاله، وانتهاءً بصواريخ تسافر عبر الفضاء؛ فهل
آن الأوان ليُعلنَ إنسانُ هذا العصرِ أنه بصدد ترويض الطبيعة والتحكم في ظواهرها،
وهل هناك دلائل تشيرُ إلى قدرة الإنسان يومًا على فرض سيطرته وهيمنته على تلك
الطبيعة، وتحويلها إلى طبيعة "ديجتال"، بضغطة زرٍ واحدة يحرك الزلازل،
ويثير البراكين، ويُكوِّنُ الأعاصير، ومن نفس غرفة التحكم يستطيع إلجام عنفوانها،
وإيقاف فوراتها، ومن ثم استئناسها، هل هناك ما يمنع في أن يمتلك الإنسانُ هذه
القوة وهذه القدرة، هل من الممكن أن نستمع إلى أمين منظمة الأمم المتحدة يومًا،
وهو يعلن أننا على الأرض أصبحنا قادرين..
خواطر قرآنية
يقول
الله سبحانه وتعالى في سورة يونس: ﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء
أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ
النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا
وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا
أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ
بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾. (سورة يونس: الآية 24)
يقول
السَعْدِّيُّ في تفسيره لهذه الآية
"وهذا المثلُ من أحسن الأمثلة، وهو مطابقٌ
لحالة الدنيا، ﴿حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ﴾ أي: تزخرفت في منظرها، واكتستْ في
زينتها، فصارت بهجةً للناظرين، ونزهةً للمتفرجين، وآيةً للمتبصرين؛ فصرت ترى لها
منظرًا عجيبًا، ما بين أخضر وأصفر، وأبيض وغيره؛ أما قول الله سبحانه: ﴿وَظَنَّ
أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ أي: حصل معهم طمع، بأن ذلك سيستمر ويدوم،
لوقوف إرادتهم عنده، وانتهاء مطالبهم فيه". ابنُ كثير فَسَّرَ ﴿وَظَنَّ
أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ بقوله: ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا﴾ أي: الذين زرعُوها
وغرسُوها ﴿أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ أي: على جُذاذِها وحصادِها. كما ذهب
الطبرِّيُ إلى ما ذهب إليه ابنُ كثير في قوله تعالى: ﴿وَظَنَّ
أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾: ﴿وَظَنَّ أَهْلُهَا﴾ يعني: أهلُ الأرضِ، ﴿أَنَّهُمْ
قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ يعني:
على ما أنبتت. وقال القرطبي في تفسيره، أن المقصود بـ﴿قَادِرُونَ
عَلَيْهَا﴾ أي
قادرون على الانتفاع بها وبثِمارِهَا.
ويُفَسِّرُ
ابنُ عاشور ﴿أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا﴾ "أي: أنهم مستمرون على الانتفاع بها
مُحَصِّلُون لثمرَاتِهَا".
من
وجهة نظري، أن الآيةُ الكريمةُ بها مدلولات أخرى كثيرة، ومعانٍ أكثر عمقًا، فكلُ
كلمةٍ في القرآن لها مدلولها، ولا يمكن أن تحلَّ كلمةٌ محلَّ أخرى في المعنى بنسبة
100 %، فالترادف بمعنى التطابق الكامل في المعنى لا وجود له. فكل كلمة تَحْمِلُ
معنى ومدلولًا خاصًّا بها؛ فلو تأملنا التشبيهَ المركب في الآيةِ الكريمة، التي
نحن بصددها، ونحن نحمل في عقولنا أن القرآن الكريم صالحٌ لكل زمانٍ ومكان، لوجدنا
أنَّ الصورة تكاد تكون واضحة ومُعَبِّرة، وكأنها تصفُ الحضارة الحديثة ومكتسباتها،
وستبقى هذه الآية هكذا، معبرةً كلما تقدم الإنسان وازداد تحضرًا.
لو
تتبعنا كمَّ الاختراعات الحديثة والاكتشافات الجديدة، التي يُفاجئُنا بها العلم كل
يوم، بل كلَّ ساعة، لأدركتَّ الدليل الواضح على أنَّ الإنسان في محاولة دائمة
ومستمرة، يحدُوه الأمل في أن يقدِرّ على الأرض، ويفرضّ سيطرتَه عليها.
كلمة
(قَادِرُونَ) التي ذكرت في الآية تحمل من الإعجاز ما لا تستطيع كلمات، مثل: جني
ثمار الأرض، أو حصادها، أو الانتفاع بها، على تَحَمُّلِه والتعبير عنه. كلمةُ
(قَادِرُونَ) من الكلمات التي اختص الله بها نفسَه، فقد ذُكرت مشتقات كلمة (قادر)
في القرآن الكريم أربعة عشر مرة، خص الله بها نفسه في اثني عشر موضعًا منها.
كلمة (`قَادِرُونَ) نفسها جاءت في القرآن
الكريم في خمسة مواضع؛ منها أربعةُ مواضع خاصة بالفعل الإلهي، والخامسةُ هي التي
نحن بصددها. سنحاول في السطور القليلة القادمة سردْ تلك الآيات التي ورد فيها فعلُ
قادر منسوباً لرب العالمين، ونحاول فهمَ معنى كلمة (قَادِرُونَ) ومدلولاتها:
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ
لَهُمْ أَجَلًا لَّا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا﴾ (سورة الإسراء: الآية 99)
﴿وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن
رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَىٰ أَن يُنَزِّلَ آيَةً وَلَٰكِنَّ
أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (سورة الأنعام: الآية 37)
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ
عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ
يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ
الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ (سورة الأنعام: الآية 65)
﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ
فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَىٰ ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ (سورة المؤمنون: الآية 18)
﴿وَإِنَّا عَلَىٰ أَن نُّرِيَكَ مَا نَعِدُهُمْ
لَقَادِرُونَ﴾ (سورة
المؤمنون: الآية 95)
﴿َوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَىٰ وَهُوَ الْخَلَّاقُ
الْعَلِيمُ﴾ (سورة
يس: الآية 81)
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن
يُحْيِيَ الْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (سورة الأحقاف: الآية 33)
﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ
وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ (سورة المعارج: الآية 40)
﴿بَلَىٰ قَادِرِينَ عَلَىٰ أَن نُّسَوِّيَ
بَنَانَهُ﴾ (سورة
القيامة: الآية 4)
﴿أَلَيْسَ ذَٰلِكَ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِيَ
الْمَوْتَىٰ﴾ (سورة
القيامة: الآية 40)
﴿فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ﴾ (سورة المرسلات: الآية 23)
﴿إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ﴾ (سورة الطارق: الآية 8)
هذه
المواضع الاثنا عشر ذُكرت فيها لفظة (قادر) و(قادرون)، وكما نرى أنها فعل خاص برب
العالمين اختص بها نفسه سبحانه وتعالى. الآيتان اللتان جاءتا بهما كلمة (قادرون)
أو (قادرين) مرتبطتان بالبشر؛ فقد جاءت أوصاف مذمومة استحق أصحابها العذاب؛ لأنها
ظن من الإنسان أن لديه قوة فوق قوة الربّ أو تساويها، قدرة مطلقة ليست مقيدة. أن
يظن الإنسان نفسه يملك الحقيقة المطلقة، سواء هذه الحقيقة قدرة ما، أو علم معين؛
هو ظن يدل على غرور وكبر لا يصدران إلا ممن يجهل أكثر مما يعلم. أول هذه الآيات في
سورة القلم ﴿وَغَدَوْا عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾.
جاء في
التفاسير أن كلمة (حَرْد) تعني: القصد، والمنع، والغضب، وجاء معناها في معجم
المعاني: قوة، وشدة، وغيظ؛ ومن هنا يتضح لنا أن هؤلاء القوم الذين قصدوا أن يمنعوا
الرزق عن المساكين والفقراء يتوهمون امتلاك القدرة، مع أن الله هو الرازق على
الحقيقة، فمنعهم الفقراء إثمٌ، ولكن اعتقادهم القدرة على ذلك هو الكفر الذي
استحقوا عليه العقاب. جاء في تفسير الجلالين ﴿وَغَدَوا عَلى حَرْدٍ﴾ أي: منعٍ للفقراء (قادرين) عليه في
ظنهم؛ لأن هؤلاء القوم جاءوا بفعلٍ عظيم، وهم يعتقدون أنهم قادرون؛ فكان الرد
الإلهي كما في الآيات التالية:
﴿فطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ
نَائِمُونَ(19). فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(20)﴾ (سورة القلم: الآيتان 19-20).
يخبرُنا
القرآن كيف أن هؤلاء القوم ضالون، ومحرومون، وظالمون، وطاغون؛ لأنهم لم يكونوا من
المُسبِّحين، أي: منسجمين مع الفطرة التي أودعها الله في نفوسهم، وكيف أن الغرور
أصابهم حتى ظنوا امتلاك القدرة؛ القدرة الحقيقة ليست في متناول هؤلاء، لأنه ببساطة
من يظن القدرة لا بد أن يقدِّر ويحسب كل القوانين والعلاقات التى تتحكم في هذا
الأمر، هذا هو لفظ قدر، الذي دائمًا ما يرشدنا ربنا أنه هو من يقدر الأشياء. يقدر
الأشياء أي: يجعلها خاضعة لتقديرات وحسابات دقيقة، تأخذ في حسبانها كل العلاقات
المرئية وغير المرئية. هل الإنسان مهما أوتي من قوة لديه هذه الإمكانية في أن
يحسب، ويزن كل العلاقات التى تحكم الأشياء؟ بالطبع لا يظن القدرة بمفهومها القرآني
إلا متواضع الفهم، أصابه الغرور والكبر فجعله لا يرى أسفل قدميه. لقد كان الرد
الإلهي مزلزلًا على هؤلاء الظانين في أنفسهم ظن القدرة، لقد تفسخت وانهارت مظاهر
القدرة لديهم، فهل ملكوا على الحقيقة القدرة، وتقدير الأشياء، أم أن الأمر كان
مجرد كبر وغرور؟
﴿فلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا
لَضَالُّونَ(25) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ(26) قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل
لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ(27) قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا
ظَالِمِينَ(28) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُون(29) قَالُوا يَا
وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(30)﴾ (سورة
القلم: الآيات 25-30).
كلمة
(قادرون) في الآية الثانية محل دراستنا، فهي أيضًا وصفٌ اتصف به أهلُ الأرض في غير
محله، ينم عن شعور بالعظمة والغرور.
﴿إنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ
أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ
النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا
وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا
أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ
بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (سورة يونس: الآية 24).
ما
يعنيني هنا ليس ذم الصفة بقدر معرفة المقدمات التي أدت إلى استشعار القوم القدرة
على الأرض؛ فلقد ظنوا أنهم قادرون عليها، ومعنى (ظن) كما جاء في معاجم اللغة هو:
إِدراك الذهن للشيءَ مع ترجيحه، وقد يكون مع اليقين. الظنَّ جاء في كتاب الله
بهيئات ثلاث:
ظنٌّ
يغلبُ عليه السوء كقول الله تعالى:
﴿وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ
وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ
بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾ (سورة الفتح: الآية 6).
وظنٌّ
يغلبُ عليه الخير، كقول الله تعالى:
﴿لَّوْلَا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ
خَيْرًا وَقَالُوا هَٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ (سورة النور: الآية 12).
وظنٌّ
لا خير ولا سوء فيه، فهو فقط ظنُّ معرفة، كقوله تعالى:
﴿فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ
حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن
يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ
يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (سورة البقرة: الآية 230).
الظن
في حد ذاته ليس خيرًا أو شرًا، وإنما يصف حالة ترجيح شيء ما، ويصنف خيرًا، أو شرًا، أو ظنًّا
معلوماتي، بناء على الأمر المظنون فيه. الظنُّ في قوله تعالى ﴿وظن
أهلها أنهم قادرون عليها﴾ هو
ظنُّ معرفة لا خير ولا شر فيه؛ وكما قلنا إن تعريف الظن هو إدراك الذهن للشيء مع
ترجيحه، وهنا يجب أن نتوقف ونتساءل ما الذي جعل القوم أصحاب الأرض يظنون أنهم
قادرون عليها. لا بد أنَّ لديهم من الشواهد والحقائق ما يؤيد ذهابهم إلى هذا
الظنّ، أي: الظن بالقدرة على الأرض، والتحكم فيها. وحرف الجر (على) يُوحِي بذلك،
فكأن الأرض أصبحت تحت تصرفهم، أو أصبحت لهم سيطرة عليها.
قراءة
الآية الكريمة تخبرنا أمرين، أولهما: أن وقتًا ما في المستقبل سيتحكم الإنسان فيه
بالأرض لدرجة كبيرةٍ جدًّا، تجعله يعتقد أن كل شيء تحت سيطرته وتحكمه، وهذا الشق
لا غبار عليه. ثاني الأمرين: هو ظن الإنسان القدرة وغروره المعرفي، الذي يصور له
أنه أصبح متحكماً ومكتشفاً لكل العلاقات التي تحكم الأشياء، ومن ثم انفصاله
روحيًّا ومعرفيًّا عن الله. عندما تتغلب أنانيته على فطرته، ويظنُّ أنه لا شيء
يعجزه، واعتمادًا على عقله، يظن امتلاكه القدرة على إخضاع كل شيء لسطوته جهلًا
بحقيقة الأشياء وتشابكاتها غير المنتهية، هنا تأتي الطامة الكبرى. يبدو أن ظن
الإنسان القدرة والاتكاء على ظن كهذا سيجعل منه شخصًا ساكنًا لا يسعي لجديد، ظنًّا
منه أن كل شيء قد فُهِمت آلياته، وسُيْطر
عليه. هذا السكون الذي سيورثه ظن القدرة، هو سبب من الأسباب الرئيسية لانهيار
المنظومة الكونية. الكون جميعه يسبح، أي في حركة مستمرة دائمة، والسكون هو الوضع
الشاذ في هذا الكون، والذي سَيُلْفَظ مباشرة حفاظاً على بنية هذا الكون من
الانهيار. إذا كان السكون مصدره الإنسان الذي هو ذروة سنام هذا الكون، ويتحمل
مسئولية الانسجام مع هذا الكون - سوف نأتي على حقيقة العبودية، ومسئولية الإنسان
من خلال الجزء الثالث من كتاب تلك الأسباب - ثم لا يقوم بدوره بشكل كامل يصبح
انهيار هذه المنظومة مسألة وقت ليس إلا.
ليس
محذورًا أن يسعى الإنسان بكل طاقته لكي يُخضعَ كل شيء لسيطرته، ولكن المصيبة هو أن
يُنَصِّب نفسَه إلهًا ويعلن موت الإله، كما ذكر الفيلسوف الألماني
"نيتشه" في كتابه "هكذا تكلم زرادشت" ويعتقد أن كل شيء تحت
سيطرته، وأنه أدرك العلاقات المتشابكة، وفهم دورة الأشياء. يبدو أننا نتحدث عن وقت
تُخْمة فكرية، وكسل عقلي نتيجة مباشرة لتقدم علمي وتكنولوجي غير مسبوق.
ظن
القدرة لا يتأتَّى للإنسان إلا بعلم ملموس، ومشاهدات لا ريب فيها، فلا يمكن أن
يستقيم إدراك القدرة مع الجهل، أو مع وجود شيء خارج السيطرة. الآية الكريمة تحمل
في طياتها بشيرًا ونذيرًا لقوم يعقلون؛ البشيرُ هو أنك أيها الإنسان تستطيع فرض
سيطرتِكَ، وتسخير الكون لإرادتك، ولا شيء يعوقك.
فقط احمل اليقين واذهب؛ وأما النذيرُ فكنْ على
حذرٍ من أن تنصب نفسك إلهًا، وتعلن أنه لا إله، وتظن في نفسك القدرة المطلقة؛
فعندها تكون النهاية. لا نقول ذلك من منظور ديني بحت، وإنما من منظور العقل
والمنطق. فقدرة الإنسان مهما تعاظمت هي في الحقيقة قدرة محدودة بحدود معرفته،
والعلم الذي بين يديه، ولكي يستطيع الإنسان الجزم بقدرته بشكل حقيقي لا بد أن يحيط
علماً بكل العلاقات والقوانين التي تحكم وتسيِّر كل الموجودات، سواء المادية منها
أو اللامادية، وكذلك علاقة هذه القوانين بعضها ببعض، وبما أن هذه الإحاطة مستحيلة
فلا بد من التراجع، ومن ثم التواضع وتجنب ظن القدرة.
قد
نكون بعيدين نوعًا ما عن هذه المرحلة؛ مرحلة القدرة على الأرض، أو بمعنى أكثر دقة
ظن القدرة؛ إذ لا تشير
المشاهدات التى نملكها إلى التحكم والسيطرة على محيطنا بشكل كامل. لا يوجد اليوم
في عالمنا من يستطيع أن يزعُم أنه قادر على الأرض أو متحكم فيها، ومن يظن ذلك
اليوم فهو غير متزن عقليًّا، ولديه أوهام تصل إلى حد المرض. إن أرضنا حاليًا
تمُوجُ بأصناف الأمراض العُضال، التي حيرت البشرية وأرهقتها، وما زال الإنسانُ
يكافح للقضاء عليها، أو لإيجاد سبلٍ لمنعها بالأساس. ناهيك عن المجاعات المنتشرة
في ربوع الكرة الأرضية، والفيضانات، والبراكين، والزلازل، والأعاصير، التي تداهم
البشرية كل حين. أقصى ما يمكن أن يفعله إنسانُ العصر الحالي، هو محاولة إيجاد حلول
للتعامل مع الواقع، بقدرٍ معقول من العلم القائم على التنبؤ بالظواهر الطبيعية
الفتاكة؛ لكي يأخذ حذَرَهُ قدر المستطاع.
إنها
إحدى الرسائل الإلهية التى تحملها هذه الآية الكريمة في طياتها، ولمحة معرفية من
اللمحات التي يموج بها هذا الكتاب العظيم.. القدرة على الأرض متاحة وفي متناول
يدك، ولكن لا يأخذك الغرور، تواضع وأرجع ذلك لقدرة الله، تكن من المسبحين الذين
يدورون في فلك الروح، ولا تكن من المجرمين الذين قطعوا صلتهم بالله واكتفوا
بأنفسهم، فتكنْ سببًا في هلاك ونهاية هذا العالم ﴿وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ
لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ﴾ (سورة النمل: الآية 40).
نرى في
هذه الآية الكريمة إمكانية دحر أمراضٍ عُضال، فليس هناك ما يمنع، بل إنَّ هناك ما
يبشر ويَعِد؛ لماذا لا نقنَع بأننا قادرون على فعل الكثير واكتشاف المزيد، وأن
الوقت لا يزال به متسعٌ لفعل ما نعتقده مستحيل، كم من الأمراض التي وقف العلم
أمامها عاجزًا مطأطئ الرأس مرددًا ليس لها علاج، وبعد بُرهةٍ من الزمن يظهر علاجها
في عقار بسيط للغاية؛ فما تظنُّه أنت اليوم مستحيلٌ، سيراه أولادُك وأحفادُك من
المُسَلَّمات والبديهيات.
هل
أصبح دورُنا في الاكتشافات العلمية قاصرًا على محاولة إثبات أن القرآن الكريم
ذكرها منذ أربعة عشر قرنًا؟ ويأتي الردُّ التقليدي والمنطقي: إذا كان قرآنكم ذكرها
منذ أربعة عشر قرنًا، فلماذا لم تكتشفوها أنتم؟ الإجابة بلا شك، لأننا أمة نِيام،
عطلت الفكر و اضطهدته إذا كان يخالف ميراثها. شيءٌ مخجلٌ حقًّا أن يفتي أحدُهم بأن
الاستمطار لا يجوز شرعًا! معتقدًا أن محاولة الاستمطار ينافي الاعتمادَ على الله،
وتدخلٌ سافرٌ في أفعال الله التي اختص بها نفسه العليَّة.
كل
الاستدلالات والتأويلات في مسألة الاستمطار اعتمدت على الآية الكريم في سورة
لقمان:
﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ
وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ
مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ (سورة لقمان: الآية 34).
الله
سبحانه وتعالى لم ينفِ عن الإنسان قدرته في إنزال الغيث في هذه الآية الكريمة
وخصوصًا أنه في نفس الآية الكريمة يوجد نفي قدرة النفس على معرفة ماذا تكسب غدًا،
أو بأي أرض تموت. إنزال الغيث أو حتى عِلمُ ما في الأرحام لم يأتِ بصيغة: ما تقدر
نفس على إنزال الغيث، أو ما تعلم نفس ما في الأرحام. (مع التحفظ على الفرق بين فعل
يعلم، وفعل يعرف، وعدم الخلط بينهما).
الجدل
حول هذه الآية كان على أشدِّه، وظهرت محاولات كثيرة جدًّا لتفسير قول الله تعالى: ﴿ينزل
الغيث﴾
وكيفية الخروج من مأزق "قدرة" بعض البشر على الاستمطار الصناعي، أو حتى
معرفة ما في الأرحام؛ هذه الإشكالية ما كان لها أن تكون معضلةً، لو أنَّ النص
القرآني كان هو الحاكم والمسيطر؛ ولكن عندما حُوكِمَ النص القرآني بأقوال الرجال
وتفسيراتهم، وقعنا في هذه الإشكالية، ولم نستطع الفِكَاكَ منها؛ فالأمر غايةٌ في
اليسرِ، فكل الأفعالِ التي لم ينفها ربنا نفيًّا صريحًا عن كون البشر قادرين عليها
هي أفعالٌ قابلةٌ للتجريب، وليس هناك ما ينفي قدرة الإنسان على فعلها، ولكن يجب
دائمًا أن نعرف أن الفعل الإلهي فعلٌ تامُ العلم والمعرفة، أما الفعل الإنساني فهو
فعلٌ بمقاييسَ بشرية، وحدود معرفة إنسانية. لماذا التعدي ونقول إن الإنسان غير
قادر على إنزال المطر، أو علم ما في الأرحام، والله سبحانه وتعالى لم يقرر ذلك في
الآية الكريمة، مثل ما قرره في حالة الكسب عندما قال ﴿وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا﴾ وكذلك عندما تحدث عن موت النفس ﴿وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ﴾.
قدرتُنا
مهما تعاظمت فهي من قدرة الله، ومعرفة ذلك والإيمان به دليلٌ على أنَّ النفوسَ
البشرية لا زالت تسبحُ في مدارَاتِها لم تخرج بَعدُ عنها.
من
يحاولون كبح جماح الفكر البشري القائم على المنطق والاستدلال، بحجة أن هذا اعتداءٌ
على حق الإله، بدون نصًّ صريحٍ وقاطعٍ لا يحتمل التأويل، لهُم في الحقيقة أكبر
عائقٍ في مسار البشرية. إنهم يسيئون لصورة الإله، وكأنهم يجعلونه محتاجًا للحماية؛
وإني لأستغفر الله من هذه النظرة التي ينظر بها هؤلاء لرب الأرض والسماوات؛ نظرة
قصورٍ وعجزٍ، تنزه ربنا سبحانه عن كل ذلك.
الأمر
الأكثر واقعية هو أن الإنسان يطلق لفكره العنان، ويجعله يُحلِق كيفما شاء، فهو لن
يخرج عن إرادة الله وقدرته؛ فما الأفكارُ إلا قدرُ الله، وما الأفعال إلا بأمر
الله، وإن اعتقدت غير ذلك فإنك إذًا لمن الظالمين؛ أليس ربكم عزوجل هو القائل:
﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ
اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا
ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ﴾ (سورة الرحمن: الآية 33)
هل
تعتقدُ أن التحكم بالأرض شيء من المستحيلات، وخصوصًا ونحن نقف عاجزين أمام فيروس،
مثل فيروس سارس، أو فيروس كورونا المستجد، الذي لا يمكن أن تراه بالعين المجردة،
الأمرُ ليس كما تظن؛ إذ إن هناك الكثير يدور من حولك وأنت عنه تلهَّى، حتى وإن
كنتَ تظنُّ أن الأمر اليوم مجرد خيالٍ، فما جُعِلَ الخيالُ إلا للمستقبلِ دليلًا.
الرؤية العلمية
فكرة
التحكم بالظواهر الطبيعية هي فكرة غاية في الخطورة، خصوصًا إذا استطاع أحد مجانين
هذا العالم فك لغز تلك الظواهر وقدر عليها. تحويل فكرة كهذه إلى سلاح يُنْذِر
بعواقب وخيمة؛ فسيكون سلاحًا أقوى من أي سلاح معروف، فأنت تتحدث عن إيقاظ
البراكين، وتحريك الزلازل، و إرسال الأعاصير. إنه السيناريو الأسوأ إذا ما استطاع
العلم فك رموز الظواهر الطبيعية والتعامل معها.
بالمقابل
هناك الجانب المشرق الذي ينتظر البشرية، والأمان الذي لم يسبق له مثيل جراء بحوث كهذه. الأمر ليس خيالًا جامحًا كما يظن
البعض؛ فأبحاث التحكم بالمناخ واقع، والحديث عن التحكم بالظواهر حاضر.
هل
حقًّا يمكن للإنسان أن يصنع الزلازل ويوقظ البراكين، وهل يمكن للإنسان أن يتحكم في
الظواهر الكونية، التي طالما هددت حياته قديمًا وحديثًا، وهل يمكن أن يأتي اليوم
الذي نقول للناس فيه يمكنكم أن تعيشوا بسلام آمنين على حياتكم وممتلكاتكم، بجوار
بركان كيلاويا الذي يعد أكثر البراكين نشاطًا في الولايات المتحدة الأمريكية، هل
نستطيع أن نقول يومًا لا تسونامي بعد اليوم، أو أننا لسنا في حاجة إلى بناء منازل
مقاومة للزلازل، لأنه ببساطة أصبحت فكرة الزلازل من الماضي ولن تعود. إن طرح سؤالٍ
مثل: هل يمكن التحكم في الظواهر الطبيعية؟ يُعَدُ سؤالًا غير عقلاني، خاصة وأننا
ما زلنا غير قادرين في بعض المناطق على إيقاف شبح المجاعات، لكن ما المانع في أن
نطرح سؤال كهذا، ونحاول سبرَ أغوار المعرفة حول هذا الموضوع.
أول
فكرةٍ ملموسةٍ لعملية التحكم في الظواهر الكونية، هي تلك الفكرة التي بدأت بفرض
القدرة على التحكم في الأمطار في ألمانيا عام ١٩٣٨م، عن طريق العالم الألماني
"فنديس" الذي افترض نظريًّا إمكانية إضافة أنوية الثلج للسحب، لكي
يُحَفِّزَ قطرات الماء على التجمع، وبالتالي السقوط. لم تغادر هذه الفكرة الإطار
النظري الذي صيغت من خلاله، إلى أن جاء العالم الأمريكي "شيفر"، الذي
استطاع نشر حُبيبات صغيرة من الثلج عند درجة ٢٠ م داخل السحب المتكونة، مما شكَّل
تحفيزًا لقطرات الماء لأن تتجمع وتسقط على هيئة أمطار.
ما
لبثت هذه التقنية أن تطورت، حيث اسُتخدمت طائرات لرش مواد مثل يوديد الفضة، الذي
ساعد على تجميع الحبيبات الصغيرة للماء لتصبح ثقيلة نوعًا ما بالقدر الذي يسمح لها
بالسقوط، وحدوث ما يسمى بالاستمطار الصناعي. أبحاث الاستمطار الصناعي التي تندرج
تحت أبحاث التحكم المتعمد بالمناخ، تعد من الأبحاث الواعدة والتي تسمح بالاستفادة
من الأمطار والتحكم فيها. يمكن اعتبار الأمطار الصناعية أو القدرة على الإمطار
الصناعي شكلًا من أشكال الهندسة المناخية التي تندرج تحت بند أبحاث تغيير المناخ،
ولكن تظل تعديلًا بسيطًا في الطقس.
اليوم
أصبح الصغير يدرك قبل الكبير أن مسألة التنبؤ بالظواهر الطبيعية باتت واقعًا
ملموسًا، وحققت نجاحًا غير مسبوق؛ هذا التنبؤ لا يمكن أن يكون تنجيمًا أو عملًا
عشوائيًّا، وإنما هو علمٌ مستقلٌ بذاته، يعتمد اعتمادًا كُليًّا على حسابات
فيزيائية ورياضية معقدة، تقوم به برامج كمبيوتر غاية في الدقة، قلَّما تخطيء أو
تجانب الصواب. هذه التنبؤات أتاحت للبشرية تجنب كثيرٍ من المخاطر، التي لولاها
لحصدت الكوارث الطبيعية أرواح آلاف البشر وشردت مثلهم.
عجلة
العلم تدورُ ولا يمكن لأحدٍ أن يتنبأ بما يمكن أن يحدث بعد عقد أو عقدين من
الزمان، ولا شك أنَّ الخطوةَ القادمة تسير في اتجاه تطويع هذه الظواهر الكونية،
والتحكم الكامل فيها.
نشرت
صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية في أكتوبر2011 أثناء الحملة الشهيرة
"احتلوا وول ستريت": "منذ متى ينزل الثلج في واشنطن في شهر أكتوبر،
أم هي إحدى الضرورات لمواجهة حملة (احتلوا الوول ستريت)" حيث غطَّت الثلوج
خيام المعتصمين في ذلك الوقت.
كما رصدت منظمة المناخ الدولية وجود أكثر من
مائة مشروع بحثي في عددٍ من دول العالم، وكان الهدف منها هو التحكم في المناخ.
لا حرج
إذا اعتقدت أن مثل هذه الأخبار لا تتجاوز ثرثرةً فارغةً وهراءً لا طائل منه، أو
أنَّ الهدف منها الإثارة لا أكثر؛ ولكن إذا عرفت أن لمثل هذه الأخبار عادةً
جذورًا، وليست من بنات أفكار كاتبها، قد تغيرُ رأيكَ وتصبحُ أكثرَ انتباهًا.
تأتي
البداية مع بدايات القرن العشرين، عندما تمكن العالم الشهير "نيكولا
تسلا" من عرض اكتشافه العلمي المثير، وهو "أن الأرض بها شبكة طبيعية، من
الموجات الكهربائية ذات ترددٍ منخفضٍ جدًّا، ويمكن اعتبار هذه الشبكة من الموجات
الكهربائية قنوات اتصال بين كل مظاهر الحياة على سطح الأرض؛ يشمل ذلك حركة الرياح،
والمد، والجزر، بالإضافة إلى تحركات الألواح التكتونية (المسبب الرئيسي للزلازل).
الخطير
في هذا الاكتشاف لم يأتِ بعد، فقد توصل "تسلا" إلى أنه إذا أمكن توليد
موجات كهربائية بكثافةٍ ذات ترددٍ منخفض، وأمكن التحكم في هذه الموجات الكهربائية،
فإنَّ التحكم في الشبكة الكهربية يصبح أمرًا ممكنًا. بشكل أكثر بساطة، التحكم في
هذه الشبكة الكهربائية المنتشرة عبر الطبقات العليا للغلاف الجوي مرتبطٌ ارتباطًا
وثيقًا بالشبكة الكهربائية في باطن الأرض، مما يتيح التحكم في الظواهر الطبيعية
والمناخية المرتبطة بها.
يبدو
أن الولايات المتحدة الأمريكية تلقفت الفكرة، أو هكذا قيل، وبدأت في تدشين مشروع
هارب العملاق في ولاية ألاسكا ١٩٩٠، الذي يعمل على طبقة الأيونوسفير وهارب أو
"H.A.A.R.P"
باللغة الإنجليزية هو اختصار لـ "High Frequency Active
Auroral Research Program"
أي: برنامج أبحاث الموجات عالية التردد. تقوم فكرة المشروع على استغلال الموجات
الكهرومغناطيسية الموجودة في طبقة الأيونوسفير، وقد اختيرت منطقة ألاسكا بالذات
لقربها من القطب الشمالي، ولاعتبارات أخرى علمية متعلقة بالمجال الكهرومغناطيسي.
يمكن
أن نقول إن هدف المشروع المعلن هو دراسة طبقات الجو المتأين، عبر إرسال أشعة
كهرومغناطيسية خلال طبقات الغلاف الجوي لدراستها، وكذلك لأغراض الاتصال بالغواصات
واكتشاف أعماق الأرض. هو برنامج بحثي كما أعلنوا، يتكون من مصفوفةٍ من الهوائيات
المقامة على مساحة كبيرة لإرسال موجات كهرومغناطيسية خلال طبقة الأيونوسفير.
رُغم
أنَّ موقع المشروع العملاق مفتوح، وليس ثمة قيود تثير الريبة كتلك التي توضع على
المناطق العسكرية، إلا أن البروفيسور "نيك بيجتش" Nick
Begich في
كتابه "الملائكة لا تعبث بهذا الهارب" "Angels
Don't Play this HAARP: Advances in Tesla Technology" قد أثار جدلًا واسعًا حول هذا الهارب،
عندما ذكر في كتابه عن قدرة المشروع على التأثير على المناخ، مستعينًا بما أثاره
باحثو شركة لوكهيد لعلوم الفضاء بالتعاون مع جامعة ستانفورد، من قدرة هارب على
إرسال موجات ذات ترددٍ منخفضٍ جدًّا، تؤدي إلى تيار من جسيمات صغيرة جدًّا تستطيع
إحداث استمطار صناعي.
من
ناحية أخرى، أكدت الدكتورة "روزلين بتريل" في كتابها المعنون "سلاح
الأرض" أن لهارب ثلاثة تأثيرات؛ أولها محاولة التحكم في الطقس وحركة الرياح
والسحاب أو حتى الأعاصير. تذكر الدكتورة بتريل في كتابها، أن العلماء قد حددوا
منطقة فوق ألاسكا لإحداث أمطار وعاصفة رعدية، عن طريق انعكاس الموجات خلال طبقة
الأيونوسفير، وحين أُرْسلت هذه الموجات حدث زلزال بقوة 8.2 ريختر في منطقة محددة
مسبقًا.
التأثير
الثاني لهارب - ومازال الحديث للدكتورة بتريل - هو ما يعرف اصطلاحًا باسم
"العواصف البيضاء"؛ إذ تقوم الموجات بتسخين طبقات الجو في المنطقة
المحددة سلفًا عن طريق دفع الموجات السالبة للسحب من المناطق الأكثر برودة لإحداث
العاصفة؛ وأيَّدت الكاتبة ادعاءها بما حدث في كاليفورنيا، عندما كانت نسبة هطول
الأمطار أعلى 700 مرة عن معدلها الطبيعي.
الانفجار
البارد هو التأثير الثالث - بحسب وصف الدكتورة روزلين – وفيه تلتقي موجتان في
الطبقات السفلى في الغلاف الجوي، مما يسبب انفجارًا أقوى من الانفجار النووي،
وبدون أي آثارٍ لإشعاعات نووية.
تقول
الدكتورة "روزلين": إن مثل هذه الانفجارات قد شُوهدت أكثر من مرة عن
طريق طيارين تجاريين، حيث شاهدوا انفجارًا يشبه إلى حدٍّ كبيرٍ انفجار القنبلة
النووية.
الباحث
"جين بانينج"، وهو خبيرٌ عسكري أمريكي، يقرر في كتابه "الآلة
العسكرية تفتح صندوق باندورا" أنَّ الغرض الحقيقي وغير المعلن من مشروع
"هارب" هو في الحقيقة صناعة سلاح عسكري يستطيع إرسال حزمٍ مركزة من
موجات الراديو، من مراكز أرضية معدة لهذا الغرض تستطيع تسخين طبقات الأيونوسفير،
لترتد كموجاتٍ كهرومغناطيسية إلى مناطق الماجنيتوسفير، والتي شُحِنت بالإلكترونات
مسبقًا، لتعمل كمرايا عاكسة تُوجه إلى مناطق محددة سلفاً، لتقضي على جميع مظاهر
الحياة بها.
هناك
معلومات مرعبة ذكرها "باننج" عن استخدام تقنية هارب في إحداث زلازل، فقد
ذكر في كتابه أنَّ أول من استخدم فكرة هارب في إحداث الزلازل هم الروس عام 1989 في
الصين، وكانت نتيجته مقتل 650 ألف شخص. ويستمر باننج في ادعائه بأنه في نفس العام
قامت الولايات المتحدة بعدة تجارب، إحداها في سان فرنسيسكو، وأخرى في كاليفورنيا،
وثالثة في اليابان. أما عن الاستخدام الأول لهارب المشروع الأمريكي العملاق فيقول
دكتور "باننج" أنه كان عام 1994 عندما تمكنت وزارة الدفاع الأمريكية من
إرسال ما يقارب 350 مليون عاكسة نحاسية إلى طبقة الأيونوسفير، مما مكَّن الموجات
الارتدادية من الوصول لعمق 600 كيلو متر تحت سطح القشرة الأرضية، بينما كانت
التجربة الأولى ما بين عامي 1992 و1993؛ إذ لم يتجاوز اختراق الموجات للقشرة
الأرضية سوى 200 كيلو مترٍ في البحر المتوسط.
في
كتاب "كوكب الأرض" المنشور عام 2001 للدكتورة "روزلين بيترل"،
تصف قيام مشروع هارب تحت دعوى تحسين الاتصالات ونظام المراقبة والأغراض البحثية،
وما ذلك إلا عملية تمويهٍ لغرض المشروع العدائي وإظهاره بمظهر سلمي. تستكمل
الباحثةُ حديثها بأن وزارة الدفاع الأمريكية قامت بتثبيت شبكة من أبراج الإرسال
عددها 180 برجٍ ضمن البرنامج الدفاعي المسمى حرب النجوم.
وتقول
الكاتبة إن هارب يُعد ليصبح المتحكم في كثير من الظواهر الطبيعية، عن طريق توليد
وإرسال الأشعة الكهرومغناطيسية إلى طبقة الأيونوسفير.
لقد
أكدت دكتورة "روزلين" في كتابها أنَّ عدة مناطق استهدفت، منها
أفغانستان، والهند، وباكستان، وأن التجارب قد انتقلت إلى المحيط الهادي، وتسبَّبَت
التجارب في موجات تسونامي المدمرة، وزلزال هايتي.
إن كنا
قد ذكرنا زلزال هايتي المدمر، الذي راح ضحيته أكثر من 200 ألف ضحية، فلا يمكن أنْ
نغفلَ تصريحات الرئيس الفنزويلي "هوجو شافيز" لإحدى الصحف الإسبانية،
واتهامه الولايات المتحدة الأمريكية بتدبير زلزال هايتي المدمر، والتسبب المباشر
في هذه الكارثة؛ وقد كشف "شافيز" عن وجود معلوماتٍ مؤكدة عن طريق
الأسطول الشمالي الروسي، تؤكد أنَّ تجارب "السلاح الزلزالي" التي أجرتها
القوات العسكرية الأمريكية، هي السبب المباشر والرئيسي في وقوع زلزال هايتي. ولم
يقف الأمر عند هذا الحد، بل أضاف "شافيز" أن هناك أبعادًا لا يتصورها كثيرون
تتعلق بتجارب علمية أمريكية وإسرائيلية حول حروب المستقبل التي ستتسبب في تدمير
واسع النطاق؛ إذ تبدو وكأنها كوارث طبيعية.
لم يكن
"شافيز" وحده من بين رؤساء العالم الذي اتهم الولايات المتحدة بالتسبب
في أضرار وكوارث، عن طريق ما يسمى التجارب الزلزالية؛ فها هو الرئيس الإيراني
"أحمدي نجاد" هو الآخر، وبحسب صحيفة "الديلي تلغراف"، قد اتهم
الغرب بالتسبب في أزمة الجفاف التي ضربت إيران، وذلك عن طريق تدمير السحب المتجهة
نحو إيران؛ فقد صرَّح في خطابه نصًّا: "تتحرك بلادنا اليوم نحو حالةٍ من
الجفاف، جزء منها لا إرادي، وهو بسبب المنشآت الصناعية، وآخر مُتعمد نتيجةً لتدمير
العدو السحبَ المتجهة نحو بلادنا، وهذه حربٌ ستتغلب عليها إيران". والمثير
أيضًا أن "أحمدي نجاد" قد سبق له اتهام الغرب بتفريغ السحب الممطرة
والتلاعب بالمناخ.
أحدث
التصريحات كانت من نصيب "يويشي شيماتسو" رئيس تحرير صحيفة "يابان
تايمز ويكلي" اليابانية، عقب زلزال تسونامي اليابان 2011، الذي تسبب في حدوث تسريبات نووية خطيرة، فقد اتهم الولايات المتحدة
الأمريكية وإسرائيل بالتسبب في الزلزال، استنادًا إلى دراسة نُشرت بموقع
"نتشر" النيوزلاندي، صادرة عن معهد "غودارد" لأبحاث الفضاء،
إلى تورط الولايات المتحدة الأمريكية في زلزال اليابان؛ وقد كشف أحد المشاركين في
الدراسة عن ارتفاع درجة الحرارة بشكلٍ مفاجئ وغير مُبَرر علميًّا، فوق بؤرة
الزلزال قبل ثلاثة أيام من حدوثه، كما ظهرت سحب حلقية عالية التنظيم في سماءِ
منطقة الزلزال.
هذه
الاتهامات ليست من وحي خيال مَن أطلقها؛ فوزير الدفاع الأمريكي عام 1997 إبّانَ
رئاسة "بيل كلينتون" قد عبَّر عن مخاوفه من امتلاك الإرهابيين لسلاح
يمكِّنهم من التلاعب بالمكونات الجيمورفولوجية للأرض؛ فقال نصًّا: "لدينا
مخاوف من أن يتوصل الإرهابيون إلى ابتكار سلاح موجي قادرٍ على إيقاظ البراكين
الخامدة، وإحداث الزلازل المدمرة".
حقيقة
إثبات أو نفي أي معلومة مما ورد حول هذا الهارب، أو أبحاث التحكم في المناخ غير
واقعية بالمرة؛ بسبب التعتيم الشديد ونقص المعلومات في هذا الاتجاه. لكن ما يمكن
أن نثبته حقًّا أن أبحاث التحكم بالمناخ هي أبحاث تتم على قدم وساق وهي أبحاث
واعدة، والاهتمام بالتحكم بالمناخ مطروح بشدة على طاولة البحث، والنظريات العلمية
تؤيد ذلك. ونحن لدينا إشارة بأن السيطرة على الأرض والتحكم فيها ليس ببعيد.
وما
بين الاتهامات والتصريحات ونظريات علمية مثبتة، تكاد الفواصل بين الخيال والحقيقة
أن تتلاشى شيئًا فشيئًا. قد يكون قريبًا جدًّا ذلك اليوم الذي يُعْلن فيه أنّ الأرض قد أصبحت تحت السيطرة،
وأن الإنسان أصبح عليها قادر. تسارع وتيرة الاكتشافات العلمية والتقدم التكنولوجي
المذهل من حولنا يُنبئُ بالكثير، ويَعِدُ بأكثر مما نتوقع، ويسبق خيالنا بمراحل؛
والحقيقة المؤكدة أن الكونَ يبوحُ بأسراره لمن يستحق، ولا يمكن لشيء أن يوقف العقل
البشري عن التطلع إلى المزيد.
لو لم
نقدم في هذا الفصل سوى فكرة، واستطعنا قطع الطريق على المغرمين بالتحريم والتكفير،
وأثبتنا أن كتاب الله لا يضاد فكرة التحكم بالظواهر الطبيعية هذه؛ بل يشير إليها
لكفانا.
غالبًا ما يعتقد رجال الدين أن كل الأمور تقع في
نطاق اهتمامهم، فلا يتوقفون عن الحديث عن الحاضر والمستقبل بمقاييس الماضي، ولديهم
جرأة عجيبة على تحريم كل ما يجهلون. إن لم يستفد المهتمون بالبحث العلمي من طرح
فكرة كهذه، واعتبارها البوابة التي يمكن من خلالها العبور إلى أبحاث جديدة بيقين
إلهي، فعلى الأقل نختصر الوقت على رجال الدين عندما تُتَداول الأخبار حول التحكم
بالطبيعة وبالمناخ في المجتمعات العلمية، فيهرعون هم لبيان حرمة ذلك ومخالفته
للشرع، مساهمة مجانية منهم في تغليق فكر أفراد الأمة لا أكثر، دون أي أثر يذكر على
المجتمع العلمي ذاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق